8.1.07


مناطق ولاية البويرة لا يزال سكانها يأكلون من الحطب لقمة عيش البرد يا شكيب..الغاز يا خليل

لا يزال ذلك الطفل يحمل على كتفيه الصغيرتين معطفا يخفي تحته الكثير من الملابس لعلها تدفئ جسده المنسي داخل شبه القاعة المدرسية تلك، وراح ينفخ في يديه القليل من هواء رئتيه الساخن عله يشعر بالدفء فكيف له أن يركّز؟ تماما مثلما لا يزال ذلك الرجل يدفع ما قيمته 4000 دج ثمن جرار من الحطب لعله يدفئ ذلك المنزل، فكيف له أن لا يشتكي؟ ومثلما لا يزال أيضا في هذه الجزائر من يبيعون الحطب
ليشتروا لقمة عيش لهم في فصل الشتاء
روبورتاج: فضيلة مختاري

يحدث هذا في تلك المناطق المنفية ما وراء جبال جرجرة والمحاصرة جنوبا بجبال ديرة، ويحدث هذا في وطن يستنشق من الغاز ذهبا ودولارا، فمتى تشعر وتحس تلك القرية المنفية بأن هناك شيئا ما إسمه الغاز أيتها الحكومة؟ تجار الحطب وصفقات الغاز في الوقت الذي تفتخر فيه حكومتنا بصفقات الغاز، وفي الوقت الذي تقلق فيه سوناطراك أوروبا بكاملها فقط لأنها أبرمت عقدا مع العملاق الروسي "غاز بروم"، وتتربع جزائرنا على احتياطات ضخمة من الغاز وصادرات رشحتها لتبوؤ المرتبة الرابعة عالميا مع قدرة إنتاج ضخمة قد تأهلها لأكثر من ذلك، وفي عام 2006 استطاعت سوناطراك ووزارة خليل إبرام صفقات ثقيلة مع زبائن كبار من أمثال إيطاليا التي لوحدها افتكت اتفاقا يضم 5 شركات إيطالية، إينيل وإديسون وهيرا وأسكوبياف وورلد إينرجي، وجرى توقيع الاتفاق بحضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، بعد أن زاروا الجزائر عام 2006، وقال الرئيس المدير العام لسوناطراك، محمد مزيان، للصحافة إن الاتفاق يتعلق ببيع الغاز الطبيعي وشرائه، وأنه يدخل في إطار إنشاء أنبوب الغاز الجزائري - الإيطالي العابر لمدينة سردينيا، مشيرا إلى أن الاتفاق ينص على تسويق حوالي 8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا كل سنة، في انتظار أن تكمل الوزارة أنبوب "ميد غاز" بين الجزائر وإسبانيا الذي ستفوق قدرة استيعابه 10 مليارات متر مكعب، ومع ذلك لا يزال عمي أحمد يحمل فأسه باتجاه غابة "شعيبة العيد" حيث تنتظره بقايا أشجار الصنوبر ليجمع ما استطاع حتى يلم ما حجمه جرارا من حطب يبيعه لمن أنهكته مصاريف غاز البوتان الذي يقدر ثمن قارورة منه 180 دج وقد تفوق 200 دج وقت الشتاء، هذا إن وجدت أصلا.
عاد بعض السكان إلى قراهم ومداشرهم بعد أن عاد الأمن وزالت مخاوف شبح الإرهاب، لكن المعاناة لم تنته.
صحيح أن بعض الطرق عبدت لكن الغاز لم يجد طريقه بعد إلى هناك مما يضطر سكان الدشمية وريدان إلى الذهاب إلى المدن المجاورة كسور الغزلان للظفر بقارورة غاز تستعمل فقط لطهي الأكل، وإذا تعلق الأمر بالتدفئة فلا يزال موقد النار (الشميني) شاهد عصر على المعاناة نفسها منذ زمن الاستعمار، وكأن الحكومة تريد أن تحتفظ بشيء من الذاكرة على حساب مؤشر رفاهية أولئك السكان.
ظاهرة بيع الحطب وإن انخفض مؤشر حدتها مع بداية الألفية الثالثة، حيث كانت تجارة الحطب مهنة رائجة اضطر فيها الكثير من السكان بمن فيهم سكان المدن إلى استحداث مواقد النار بعد أن اعتادوا على تلك الطوابير الطويلة مع كل شتاء موسم جديد، حيث تظهر أزمة ندرة غاز البوتان وتظهر معها أسعار المضاربة الخيالية، هذه الظاهرة التي سادت لسنوات في مدينة كبيرة كسور الغزلان، قبل أن تقرر البلدية إيصال غاز المدينة إلى أحد أكبر أحياء المدينة (حي عياش رابح)، غير أن هناك الكثير من الأحياء لا تزال تفتقد إلى غاز المدينة كحي "حوش لوصفان" وحي "جلول أوصيف"، وبالرغم من وعد البلدية لهم بإيصال الغاز إليهم وبدء الأشغال...
ولكن إلى متى وقد لاح برد الشتاء؟ مع العلم أن مدينة مثل سور الغزلان معروفة بقساوة شتائها باعتبارها منطقة محاصرة بجبال ديرة التي تكسوها الثلوج مع كل شتاء، ومتى ستنتبه البلدية والولاية إلى أولئك الذين عادوا إلى قراهم في الدشمية وريدان، الذين لا يزالون يتهافتون لشراء الحطب شتاء، وحتى هذه المادة لم تعد تكفي بعد أن جنى تجار الحطب على تلك الغابات ولم تعد فقط الأشجار اليابسة مصدر رزقهم بعد أن طالت فؤوسهم حتى الأشجار الخضراء، مما يجعل الوضع كارثيا، وكأن وزارة الطاقة والمناجم تفسد برامج وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، هذا إن بقي أصلا ريف يصلح للتنمية؟ يقدر ثمن جرار من الحطب بقيمة 4000 دج، مع العلم أن جرار الحطب هذا لا يكفي لمدة شهر في مناطق معروفة بقساوة شتائها، ولعل أكثر المناطق تضررا هي تلك المناطق المجاورة لجبال ديرة التي تكسوها الثلوج طيلة فترة الشتاء كمنطقة ريدان وواد الجنان والمعمورة والتي لا يزال سكانها يطاردون قارورة الغاز، ويرون أن حلم غاز المدينة لا يزال بعيد المرام.
خرافة صعوبة المسلك والبناء الفوضوي استطاعت الدولة أن توصل الغاز الطبيعي إلى عمق أوروبا عابرا البحار ومارا من عمق الصحراء، عبر الهضاب العليا مرورا بفوضوية العمران في المناطق الشمالية، ومع ذلك يشعر بنعمة الدفء التلاميذ في إسبانيا بفضل غاز الصحراء الجزائرية، ولكن في مناطق عدة من هذا الوطن، وليس فقط في بعض بلديات البويرة والمدية ولكن في مناطق كثيرة توجد على بعد مرمى حجر من أنابيب الغاز الضخمة، ومع ذلك يتحجج مير البلدية والسلطات والمسؤولين بصعوبة المسلك وفوضوية البناء على غرار تلك النكتة التي حرمت أحد أكبر الأحياء في ولاية البويرة من غاز المدينة لسنوات طويلة بحجة أنهم بنوا منازلهم بطريقة فوضوية، إلى أن جاء زمن الانتخابات البلدية فأفرجت نفس البلدية عن مشروع غاز المدينة والذي تم دون أية صعوبات، غير أن نفس الخرافة لا تزال رائجة في تلك المناطق المحرومة من الغاز مع العلم أن تلك البلديات ليس لها أي عمل آخر اللهم إلا تزيين الشوارع وكنسها مع كل مناسبة انتخابات جديدة. ف. م. مؤشرات - 62 مليار متر مكعب من الغاز هو إنتاج الجزائر ما بين عامي 2004 و2005. - تتوقع الجزائر أن تضع في الخدمة مطلع عام 2009 أنبوب الغاز عبر المتوسط "مد غاز" القادر على نقل ثمانية إلى عشرة مليارات متر مكعب والذي تنتهي الأشغال به في العام 2007. - يبلغ طول أنبوب الغاز ميد غاز747 كلم، منها 200 كلم تحت البحر. - ستزود إسبانيا بأربعة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا في 2007. - طاقة الأنبوب الذي سيربط بين الجزائر وإيطاليا من المتوقع أن تبلغ 24 و29 مليار متر مكعب. - تزود الجزائر حاليا إسبانيا بنحو 60% من حاجاتها من الغاز عبر أنبوب غاز المغرب - أوروبا. - تعتزم الجزائر تصدير 85 مليار متر مكعب من الغاز في العام 2010. - وقعت الجزائر عام 2006 اتفاقا مع إيطاليا يقضي بتصدير نحو 08 مليارات متر مكعب.

No comments: